برنامج إيران النووي

اصدار فبراير / شباط 2006

كانت إيران من أوائل الدول التي وقعت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وتُلزم هذه المعاهدة كل الدول الأعضاء غير الحائزة على الأسلحة النووية التخلي عن تطوير وحوزة تلك الأسلحة النووية كما أنها تصون الحق في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. وتتعهد كل دولة من الدول أطراف المعاهدة بإبرام اتفاقاً للضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الكائن مقرها في فيينا والذي من شأنه أن يمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مراقبة الأنشطة النووية لأىٍ من الدول بالنظر إلى احترامها التعهدات.

في عام 2003 اضطرت إيران للاعتراف بأنها قد أخلّت بالتزاماتها المنصوص عليها في اتفاق الضمانات وأنها قد اتبعت لأكثر من 18 عاماً برنامج نووي سري، إضافةً إلى بناءها سراً منشأة لتخصيب اليورانيوم وفيها يتم أيضاً انتاج مواد قابلة للانشطار النووي التي يمكن استخدامها في انتاج السلاح. ومنذ ذلك الوقت استمرت إيران في عرقلة عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال التعاون المتراخي ونقصان الشفافية من جانبها. ولذلك فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ترى أنها في وضع لا تسطيع من خلاله إثبات أن الأنشطة النووية الإيرانية ذات طابع سلمي فقط. كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تملك حتى الآن معلومات واضحة تثبت عكس ذلك.

وفي نوفمبر / تشرين ثان 2003 لم يُقدم التقرير الذي أعدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمزمع إحالته إلى مجلس الأمن وفقاً للوائح والنظم الأساسية المعمول بها في حالة خرق اتفاق الضمانات، حيث قامت كلٍ من ألمانيا وبريطانيا العظمى وفرنسا بدعمٍ – فيما بعد – من الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي بعقد عملية تفاوضية مع إيران، تلك العملية التفاوضية التي كانت تهدف إلى منح إيران فرصة العودة إلى الالتزام باتفاق الضمانات وإزالة ما نجم عن هذا الأمر من توجس لدى المجتمع الدولي.

كان الأساس الفيصل لهذه العملية التفاوضية، والتي تعرف عامةً بـعملية "E3/EU" (اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي)، هو التزام إيران خلال مدة المفاوضات بالتخلي عن جميع الأنشطة الخاصة بتخصيب ومعالجة اليورانيوم، حيث أبدت طهران استعداداً لذلك

وقامت بتوقيع اتفاقاً في هذا الخصوص في أكتوبر / تشرين أول 2003. هذا وقد استكمل ذلك الإعلان في نوفمبر / تشرين ثان 2004 باتفاقية باريس التي تعهدت فيها إيران أيضاً بتعليق

جميع الأنشطة المرتبطة بالتخصيب، ولا سيما تحويل اليورانيوم وانتاج أجهزة الطرد المركزية.

كان الهدف من الاتفاقية المنشودة طويلة الأجل والقائمة على اتفاقية باريس تعزيز التعاون بين دول اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" وإيران على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي وأيضا على صعيد السياسة الأمنية. ونص الاقتراح المتكامل الذي تقدمت به اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" في 5 أغسطس / آب 2005 استناداً على هذا الأساس بعد عدة جولات تفاوضية منذ ديسمبر 2004 على تخلى إيران عن التقنيات الحساسة (التخصيب والمعالجة) وذلك إلى أن تستعيد إيران الثقة الدولية، ولكنه تضمن أيضاً إمكانية إنشاء برنامج نووي إيراني لأغراضٍ سلمية. وفي هذا الصدد عرضت دول اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" تقديم التعاون وأيضاً ضمان حقوق الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

ولم يمر سوى يومين حتى رفضت إيران في 7 أغسطس / آب 2005 هذا العرض دون فحص دقيق. حتى قبل تسليم هذا الاقتراح المتكامل من قبل دول اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" كانت إيران قد أعلنت استئناف العمل في منشأة تحويل اليورانيوم المعلق عملها في أصفهان تاركةً بذلك الإطار التفاوضي المتفق عليه في اتفاقية باريس.

وإثر ذلك عاد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر / أيلول 2005 إلى القرار الذي تم إرجائه بناءً على العملية التفاوضية التي بدأتها دول اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" في عام 2003 وأثبت رسمياً مخالفة إيران التعهدات المنصوص عليها في اتفاق الضمانات (قرار صادر في سبتمبر / أيلول 2005). غير أن التقريرالمزمع إحالته في مثل هذه الحالات إلى مجلس الأمن بموجب اللوائح والنظم الأساسية المعمول بها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تم سحبه نظراً إلى جهود دبلوماسية أخرى. وبناءً على رغبة الأغلبية العظمى من الدول أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية قامت أيضاً دول اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" باستكمال جهودها الرامية لاستعادة الهيكل المشترك للمفاوضات.

لذا تقابلت مجدداً في فيينا دول اللجنة الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" مع إيران في 21 ديسمبر / كانون أول 2005 لتجس النبض عن إمكانيات إجراء المزيد من المفاوضات.

وفي هذا الإطار كانت مقترحات روسيا الهادفة إلى اقامة مشروع مشترك لتخصيب اليورانيوم في روسيا بمثابة نهج محتمل لهذا الأمر.

وفي 9 يناير / كانون ثان 2006، حتى قبل انعقاد اللقاء التالي الوشيك، بدأت إيران في التراجع عن أجزاء أخرى خاصة بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، وجاء هذا منافياً لتعهد إيران في اتفاقية طهران وباريس وضارباً المطالب المنصوص عليها في قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية عرض الحائط. وبذلك تكون إيران في واقع الأمر قد هدمت أسس المحادثات الهادفة إلى نهج تفاوضي جديد مع دول اللجنة الأوروبية الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU".

وهكذا تبين لوزراء خارجية دول اللجنة الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" في برلين بتاريخ 12 يناير / كانون ثان أن قضيتهم مع إيران قد وصلت إلى طريق مسدود، كما أعربوا عن قناعتهم بالحاجة إلى اللجوء إلى سلطة الأمم المتحدة لدعم مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجاه إيران (بيان صحفي صادر في 12 يناير / كانون ثان 2006). وعليه طالبت دول اللجنة الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" دول مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخمسة والثلاثين بالمشاركة في جلسة خاصة عُقدت في فيينا بتاريخ 2 فبراير / شباط 2006.

وعلى هذا أكدت مجدداً دول اللجنة الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" على أنها تتمسك بحل دبلوماسي في إطار متعدد الأطراف. إن الموقف الذي تتبناه الدول الأوروبية الثلاث في الجلسة الخاصة قد تم الاتفاق عليه في مشاورات موسعة مع الدول أعضاء مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد أعرب عن ذلك وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين في تصريح لندن المؤرخ 30 يناير / كانون ثان 2006، هذا التصريح الرامي إلى إعلام مجلس الأمن بالشأن الإيراني بواسطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنه قد جعل التدخل المحتمل من قبل مجلس الأمن مرتبطاً بالتقرير المنتظر أن يقدمه البرادعي مدير عام الوكالة في بداية شهر مارس / آذار.

وفي 2 فبراير / شباط 2006 تقدمت دول اللجنة الثلاثية الممثلة للاتحاد الأوروبي "E3/EU" في الجلسة الخاصة في فيينا بمشروع قرار تم اعداده استناداً إلى تصريح لندن، حيث تم اقراره في 4 فبراير / شباط 2006 بأغلبية كبيرة بعد مفاوضات استمرت ثلاثة أيام.

فقامت 27 دولة بالتصويت لصالح القرار و5 دول امتنعت عن التصويت (الجزائر وروسيا البيضاء وأندونسيا وليبيا وجنوب إفريقيا) بينما صوتت ثلاث دول ضد القرار (سوريا وكوبا وفنزويلا).

إن هذا الدعم واسع النطاق لقرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما يتضمنه من مطالب لإعادة التعليق الشامل للأنشطة النووية وكذا كامل الشفافية والتعاون في الرد على التساؤلات مواضع الاستفهام بشأن البرنامج النووي الإيراني يعتبر بمثابة اشارة واضحة لطهران لأن تضع في الإعتبار القلق العميق الذي ينتاب المجتمع الدولي حيال البرنامج النووي الإيراني.

إن ما جاء في قرار مجلس الأمن بخصوص قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لحل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني يفسح مجالاً عن قصد لاستكمال المساعي الدبلوماسية التي لاتزال الحكومة الألمانية ملتزمة بها.