المركز الألماني للإعلام : ألمانيا والشرق الأوسط : كلمة وزير الدولة بوزارة الخارجية جونتر جلوزر أمام البرلمان الألماني (البوندستاج)

كلمة وزير الدولة بوزارة الخارجية جونتر جلوزر أمام البرلمان الألماني (البوندستاج)

 10 فبراير / شباط 2006:

سيدي الرئيس ، السيدات والسادة الزملاء الأعزاء ،

إن الجدل الدائر حول الرسوم الكاريكاتورية هو بالفعل مدعاة للقلق. لقد أفزعتنا تلك الطاقة الكامنة لاستخدام العنف ، التي أطلقت في بعض عواصم الدول الإسلامية أثناء أعمال الاحتجاج العامة. وأنا سعيد بأن هذا قد اتضح في أجزاء واسعة من الجدال. ولكن علينا بالرغم من ذلك أن نكون حريصين على ألا نستحضر صداماً بين المدنيات أو صراعاً بين الحضارات. فهذا بحسب اعتقادي سيكون الرد الخاطئ تماماًعلى الموقف الآني.  كما أنني سعيد لأن الكلمات التي ألقيت لم تكن فيها محاولة للتعميم وإنما للتمييز.

السيد الزميل هورستلر، لقد ذكرت مثلاً الأوضاع المختلفة في بعض الدول. في ظاهر الأمر يبدو أن الأمر يدور حول الموازنة بين قيمتين وحسب: الموازنة بين حماية حرية الأديان وحرية الصحافة.

تتمتع حرية الصحافة لدينا بأولوية دستورية ولن نتخلى عنها. كذلك فإن نظامنا القانوني يكفل للأديان الحماية من الازدراء. وهنا أشير إلى الفقرات المعنية في قانون العقوبات. إننا نتفهم موقف المسلمين في كافة أنحاء العالم عندما اعتبروا الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل ازدراء لقناعتهم الدينية. ولكننا يجب أن نوضح أن الحكومات في مجتمعاتنا لا تستطيع أن تتدخل في الحقوق الأساسية. حقاً إن حرية الرأي وحرية الصحافة ليستا بدون حدود إلا أن المنوط بتوضيح تلك الحدود ولأسباب وجيهة هي السلطة القضائية وحدها وليس المسؤلين الحكوميين.

حرية الصحافة وحرية الرأي هما قيمتان رفيعتا الشأن يجب التعامل معهما بعناية. ولكنني أقول أيضاً ـ وهو موضوع تناقشنا فيه بمناسبة أحداث شهدها بلدنا ـ: التعامل مع حرية الصحافة يتبعه أيضاً الوعي بالمسؤلية. ومن يستفيد من ذلك الحق الأساسي عليه أن يسأل نفسه ما إذا كان يُحقر من الحضارات والأديان الأخرى أو يسخر منها. ومن يستفيد من ذلك الحق الأساسي عليه أن يسأل نفسه ما إذا كان يستفز أو يجرح أناساً آخرين. أظن أن الأحداث التي جرت في الأيام الماضية قد أوضحت أننا أيضاً في  حاجة كبيرة إلى التعلم.

إن الاعتراض والتظاهر ضد مثل ما نُشر هو أمر مشروع ، لأن من يستخدم حقه في حرية التعبير عن الرأي يجب أن يتقبل أن يتعرض هو نفسه للنقد. ولكن المرفوض تماماً هو استخدام العنف بالشكل الذي رأيناه في الأيام الأخيرة. فاقتحام السفارات وإضرام النار فيها أو دعاوى استخدام العنف ضد المواطنين الأوروبيين أمر لا يمكن تبريره.

وأظنكم تسمحون لي أن أقول باسمكم أيضاً: لأن هناك رغبة في أن تستمر ألمانيا في هذا الحوار وأن يبقى لها تواجدها في أماكن الأحداث ، لذا فإننا نشارك بمشاعرنا في تلك الأيام زملاءنا الذين يعملون في السفارات ومكاتب تمثيل المؤسسات  ـ سواء من ألمانيا أو من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ـ في الدول المعنية ، ويرتبط عملهم هناك بشيء من المخاطرة.

لقد أوضحنا في الأيام السالفة موقفنا للحكومات في الدول المعنية. تلك الحكومات منوطة بكفل الحماية للسفارات الأوروبية ، ولا مناص من ذلك. فالتساؤل مبرر ، كيف ستكون ردة الفعل لو كان الوضع معكوساً. تنسق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي موقفها وتدعم الرئاسة النمساوية للاتحاد في مساعيها من أجل نزع فتيل الأزمة.

لقد سجلنا شاكرين ـ واسمحوا لي أن أؤكد على هذا الأمر ـ أن بعض الأصوات العاقلة في العالم الإسلامي ـ وقد ذكرنا بعضها بالفعل ـ قد أدانت وبوضوح أعمال العنف الوحشية. ونحن مازلنا نطالب بشدة ـ وأظننا محقين في ذلك ـ الحكومات وكذلك الشخصيات الأخرى ذات التأثير في العالم الإسلامي أن يدينوا أعمال العنف. فتهدئة الناس من مصلحة العالم الإسلامي نفسه. ففي بعض الدول يتم توظيف الاعتراض الشرعي لخدمة أغراض أخرى بشكل مفضوح ـ كما ذكرتم في كلماتكم من قبل. كما أعبر عن تقديري للرابطات الإسلامية في ألمانيا ، التي أسهمت بدون تردد في تحويل النقاش إلى المسار الموضوعي. وهذا ما أريد أن أبرزه وأشكرهم عليه جزيل الشكر.

كثيراً جداً  ما يدور الكلام عن الحوار. يشيع في العالم الإسلامي الوعي بضرورة دفع عجلة الإصلاحات الشاملة. فالإصلاحات هي المقوم لإيقاظ طاقات الأجيال الناشئة ولتحسين ظروفهم المعيشية. يتطلع الناس إلى المزيد من إمكانات المشاركة السياسية. بل ربما يمكن أن نقول: إنهم يتطلعون إلى الحوار وسيادة القانون وفرص التعليم ، باختصار: يتطلعون لحكومة رشيدة. لقد ولَّد التعامل مع الرسوم الكاريكاتورية لمحمد وعياً لدى قطاع عريض من الرأي العام بما حذر منه الخبراء منذ زمن بعيد: اتساع الهوة الحضارية بين العالم الغربي والعالم الإسلامي.

حاولت الحكومة الألمانية بالفعل بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 تدارك ذلك التطور. وهنا يجب أن أبرز: أن الحكومة الاتحادية آنذاك قد راهنت على حوار الحضارات. وقد استحدثنا في وزارة الخارجية محور عمل هو "الحوار مع العالم الإسلامي". تم تنظيم المؤتمرات ، كما أجريت تبادلات حضارية وبرامج زيارات. فثمة مشروعات محددة تهدف إلى تقريب الناس من دائرتي الحضارة إلى

بعضهم البعض ، كما تهدف إلى بعث التفاهم المتبادل. وهذا هو الطريق الذي يجب أن نحرز مزيداً من التقدم عليه.

اسمحوا لي أن أُذكِّر بمثال إيجابي ، ألا وهو "أيام العالم العربي" التي عقدت في البرلمان الألماني في ديسمبر/كانون أول 2004. وكما قال كثير من الزملاء العرب الذين حلوا ضيوفاً علينا ـ والزميل هورستلر سيتذكر ذلك ـ أن مثل تلك النقاشات لم تدر حتى الآن في العالم العربي! ولكن بين جنبات البرلمان الألماني كان من الممكن أن نتناقش في سلام أيضاً مع برلمانيين عرب. وأنا أعتقد أن ذلك كان بمثابة إشارة هامة وصحيحة.

وأضيف: العمل الإعلامي العام له أهمية كبيرة. وهنا أُذكر ببرنامج "دويتشه فيلله" التلفزيوني الموجود منذ 2002 أو بالبرامج الكثيرة للتدريب المتقدم للصحفيين.

عزيزاتي الزميلات ، أعزائي الزملاء ، سيكون من ألوان التسطيح أن يتم تقييم الأحداث التي صاحبت أزمة الرسوم الكاريكاتورية على أنها الدليل على فشل حوار الحضارات. بل على العكس: فالأحداث تؤكد على ضرورة بل حتمية ذلك الحوار. فلا بديل عن حوار الحضارات.

إذا كانت أحداث الأيام والأسابيع الماضية علمتنا شيئاً فسيكون ما اكتسبناه هو معرفة أننا هنا بصدد عمل يحتاج إلى المثابرة والإصرار. وأهم إسهام يمكن للسياسة الألمانية أن تقدمه في الوضع الراهن هو السعي الدؤوب من أجل أن يستكمل هذا الحوار وأن يزداد عمقاً. الحوار مع العالم الإسلامي هو أيضاً عرض من شريك لمساندة عمليات الإصلاح الضرورية. ونحن نقوم بذلك لأسباب تخص أيضاً مصلحة أوروبا الأصيلة في وجود منطقة جوار قوية وحيوية على الجانب الجنوبي والشرقي من البحر الأبيض المتوسط. لقد وضع الاتحاد الأوروبي والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط قبل عشر سنين في عملية برشلونة الإطار لحوار شامل يغطي بالفعل كآفة المجالات ، السياسة والاقتصاد والثقافة. وفي اعتقادي يجب تحقيق مزيد من التقدم على هذا الطريق.

وأذكر هنا على سبيل المثال أولى المؤسسات التي أثمرت عنها تلك الشراكة: "مؤسسة أنا ـ ليند" ، التي بدأت عملها في خريف العام الماضي في مدينة الأسكندرية ، لها هدف واضح هو دعم التفاهم المتبادل ودعم التسامح. إن ما نسعى إليه ليس فرض تصوراتنا عن الدولة والمجتمع على العالم الإسلامي. ولكن عملية التحول الناجحة لن تتم إلا إذا وجدت عملية الإصلاح تقبلاً لدى شعوب الدول المعنية. إن ما بوسعنا عمله هو أن نطرح لشعوب المنطقة نموذجنا ، الذي ضمن لنا السلام والرخاء ، على ساحة المنافسة بين الأفكار.

أشكركم على حسن استماعكم